فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لن ترجع نفس إلى الدنيا بعدما استوفت الأجل المكتوب لها، بل سينقسم البشر زمرا وفصائل حسب ما قدموا لأخرتهم ويتوزعون على الدرجات التي اكتسبوها. {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين}. إنها تحية الملائكة للناجين الناجحين في معركة الحياة، تستقبلهم لتكون بشرى سارة يوم عودتهم إلى الله. {وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم}. هؤلاء أصحاب الشمال والمصير الأسود. هكذا صدق آخر السورة أولها، ولخص مجملها فهل يعي الناس ما يستقبلون من هذه المصاير؟ سواء وعوا أم ذهلوا، فلن يتغير الواقع {إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الواقعة:
أقول: هذه السورة متآخية مع سورة الرحمن في أن كلا منهما في وصف القيامة، والجنة والنار وانظر إلى اتصال قوله هنا: {إِذا وقعت الواقعة} بقوله هناك: {فإِذا انشقت السماء} ولهذا اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء، وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة ولهذا عكس في الترتيب فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك، كما أشرت إِليه في سورة آل عمران مع سورة البقرة فافتتح الرحمن بذكر القرآن، ثم ذكر الشمس والقمر، ثم ذكر النبات، ثم خلق الإنسان، والجان من مارج من نار، ثم صفة القيامة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة وابتدأ هذه بذكر القيامة ثم صفة الجنة، ثم صفة النار، ثم خلق الإنسان، ثم النبات، ثم الماء، ثم النار، ثم النجوم، ولم يذكرها في الرحمن، كما لم يذكر هنا الشمس والقمر، ثم ذكر القرآن فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك، وكردّ العجز على الصدر. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 7):

قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} الذي له الكمال كله ففاوت بين الناس في الأحوال (الرحمن) الذي عم بنعمة البيان وفاضل قبولها بين أهل الإدبار وأهل الإقبال (الرحيم) الذي أقبل بأهل حزبه إلى أهل قربه ففازوا بمحاسن الأقوال والأفعال.
لما صنف سبحانه الناس في تلك إلى ثلاث أصناف: مجرمين وسابقين ولاحقين، وختم بعلة ذلك وهو أنه ذو الانتقام والإكرام، شرح أحوالهم في هذه السورة وبين الوقت الذي يظهر فيه إكرامه وانتقامه بما ذكر في الرحمن غاية الظهور فقال بانيًا على ما أرشده السياق إلى أن تقديره: يكون ذلك كله كونًا يشترك في علمه الخاص والعام: {إذا وقعت الواقعة} أي التي لابد من وقوعها ولا واقع يستحق أن يسمى الواقعة بلام الكمال وتاء المبالغة غيرها، وهي النفخة الثانية التي يكون عنها البعث الأكبر الذي هو القيامة الجامعة لجميع الخلق للحكم بينهم على الانفراد الظاهر الذي لا مدعى للمشاركة فيه بوجه من الوجوه، ويجوز أن يكون {إذا} منصوبًا بالمحذوف لتذهب النفس فيه كل مذهب، فيكون أهول أي إذا وقعت كانت أمورًا يضيق عنها نطاق الحصر.
ولما كان هذا معناه الساعة التي أبرم القضاء بأنه لابد من كونها، عبر عنه بانيًا على مبتدأ محذوف فقال: {ليس لوقعتها} أي تحقق وجودها {كاذبة} أي كذب فهي مصدر عبر عنه باسم الفاعل للمبالغة بأنه ليس في أحوالها شيء يمكن أن ينسب إليه كذب ولا يمشي فيها كذب أصلًا ولا يقر عليه، بل كل ما أخبر بمجيئه جاء من غير أن يرده شيء، وكل ما أخبر بنفيه انتفى فلا يأتي به شيء، وقرر عظمتها وحقق بعث الأمور فيها بقوله مخبرًا عن مبتدأ محذوف: {خافضة} أي هي لمن يشاء الله خفضه من عظماء أهل النار وغيرهم مما يشاؤه من الجبال وغيرها إلى أسفل سافلين {رافعة} أي لضعفاء أهل الجنة وغيرهم من منازلهم وغيرها مما يشاؤه إلى عليين، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه.
ولما كان في هذا من الهول ما يقطع القلوب الواعية أكده بقوله وزاد ما يشاء منه أيضًا بقوله مبدلًا من الظرف الأول بعض ما يدخل في الرفع والخفض: {إذا رجت الأرض} أي كلها على سعتها وثقلها بأيسر أمر {رجًا} أي زلزلت زلزالًا شديدًا بعنف فانخفضت وارتفعت ثم انتفضت بأهلها انتفاضًا شديدًا، قال البغوي: والرج في اللغة التحريك.
ولما ذكر حركتها المزعجة، أتبعها غايتها فقال: {وبست الجبال} أي فتتت على صلابتها وعظمها بأدنى إشارة وخلط حجرها بترابها حتى صار شيئًا واحدًا، وصارت كالعهن المنفوش، وسيرت وكانت تمر مرّ السحاب {بسًا فكانت} أي بسبب ذلك {هباء} غبارًا هو في غاية الانمحاق، وإلى شدة لطافته أشار بصيغة الانفعال فقال: {منبثًا} أي منتشرًا متفرقًا بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه فهو كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل في كوة.
ولما ذكر غاية مبادئها المرجفة المرهبة، ذكر مبادئ غاياتها فقال: {وكنتم} أي قسمتم بما كان في جبلاتكم وطباعكم في الدنيا {أزواجًا ثلاثة} أي أصنافًا لا تكمل حكمة صنف منها إلا بكونها قسمين: أعلى ودونه، ليكون ذلك أدل على تمام القدرة وهم أصحاب الميمنة المنقسمين إلى سابقين وهم المقربون، وإلى لاحقين وهم الأبرار أو أصحاب اليمين، وكأنهم من أولي القلب الذي هو العدل السواء من أصحاب المشأمة إلى آخر أصحاب الميمنة فأصحاب السواء هم المقربون، وبقية أصحاب الميمنة أصحاب اليمين، وأصحاب المشأمة هم أصحاب القسم الثالث، وكل من الثلاثة ينقسم إلى أعلى ودونه، وقد تبينت الأقسام الثلاثة آخر السورة، قال البيضاوي: وكل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ينزفون} من باب الأفعال: عاصم وحمزة وخلف. الباقون: بفتح الزاء {حور عين} بجرهما: يزيد وعلي وحمزة {عربًا} بالسكون: حمزة وخلف ويحيى وحماد وإسماعيل {أئذا أئنا} كما في (الرعد) إلا ابن عامر فإنه تابع عاصمًا، وإلا يزيد فإنه تابع قالون {شرب} بضم الشين: أبو جعفر نافع وعاصم وحمزة وسهل. الباقون: بالفتح وكلاهما مصدر {قدرنا} بالتخفيف: ابن كثير {أئنا لمغرمون} بهمزتين: أبو بكر وحماد. الآخرون: بهمزة واحدة مكسورة على الخبر. {بموقع} على الوحدة: حمزة وعلي وخلف. {تكذبون} بالتخفيف: المفضل {فروح} بضم الراء: قتيبة ويعقوب.

.الوقوف:

{الواقعة} o لا بناء على أن العامل في الظرف هو ليس ولو كان منصوبًا بإضمار (أذكر) أو كان الجواب محذوفًا أي إذا وقعت الواقعة كان كيت وكيت صح الوقف {كاذبة} o م لئلا يصير ما بعدها صفة {رافعة} o لا لتعلق الظرف بخافضة أو لكونه بدلًا من الأول {رجًا} o لا {بسًا} o {منبثًا} o {ثلاثة} o ط {ما أصحاب الميمنة} o ط لتناهي استفهام التعجب {ما أصحاب المشأمة} o ط {السابقون} o لا بناء على أن {السابقون} تأكيد والجملة بعده خبر {المقربون} o ج لاحتمال أن ما بعده خبر مبتدأ محذوف أي هم {جنات النعيم} o {الأولين} o لا {الآخرين} o لا {موضونة} o لا {متقابلين} o {مخلدون} o لا {معين} o لا {ولا ينزفون} o لا {يتخيرون} o لا {يشتهون} o ط لمن قرأ {وحور عين} بالرفع {المكنون} o ج {يعملون} o {تأثيمًا} o لا {سلامًا} o ط {وما أصحاب اليمين} o ط {مخضود} o لا {منضود} o لا {ممدود} o لا {مسكوب} o لا {كثيرة} o لا {ممنوعة} o لا {مرفوعة} o ط {إنشاء} o لا {أبكارًا} o لا {أترابًا} o لا {اليمين} o ط {الأولين} o {الآخرين} o ط {ما أصحاب الشمال} o ط {وحميم} o لا {يحموم} o لا {ولا كريم} o {مترفين} o ج {العظيم} o ج {لمبعوثون} o لا {الأولون} o {والآخرين} o لا {معلوم} o {المكذبون} o لا {زقوم} o لا {البطون} o ج والوقف أجوز {الحميم} o ج {الهيم} o ط {الدين} o {تصدقون} o {تمنون} o ط {الخالقون} o {بمسبوقين} o لا {تعلمون} o {تذكرون} o {تحرثون} o ط {الزارعون} o {تفكهون} o {لمغرمون} o لا {محرومون} o {تشربون} o {المنزلون} o {تشكرون} o {تورون} o ط {المنشؤن} o {للمقوين} o ج {العظيم} o {النجوم} o لا {عظيم} o لا {كريم} o لا {مكنون} o {المطهرون} o ط {العالمين} o {مدهنون} o {تكذبون} o {الحلقوم} o لا {تنظرون} o لا {تبصرون} o {مدينين} o لا {صادقين} o {المقربين} o لا {نعيم} o {اليمين} o لا {اليمين} o لا {الظالين} o لا {حميم} o لا {جحيم} o {اليقين} o {ألعظيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)}.
أما تعلق هذه السورة بما قبلها، فذلك من وجوه أحدها: أن تلك السورة مشتملة على تعديد النعم على الإنسان ومطالبته بالشكر ومنعه عن التكذيب كما مر، وهذه السورة مشتملة على ذكر الجزاء بالخير لمن شكر وبالشر لمن كذب وكفر ثانيها: أن تلك السورة متضمنة للتنبيهات بذكر الآلاء في حق العباد، وهذه السورة كذلك لذكر الجزاء في حقهم يوم التناد ثالثها: أن تلك السورة سورة إظهار الرحمة وهذه السورة سورة إظهار الهيبة على عكس تلك السورة مع ما قبلها، وأما تعلق الأول بالآخر ففي آخر تلك السورة إشارة إلى الصفات من باب النفي والإثبات، وفي أول هذه السورة إلى القيامة وإلى ما فيها من المثوبات والعقوبات، وكل واحد منهما يدل على علو اسمه وعظمة شأنه، وكمال قدرته وعز سلطانه.
ثم في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ففي تفسيرها جملة وجوه أحدها: المراد إذا وقعت القيامة الواقعة أو الزلزلة الواقعة يعترف بها كل أحد، ولا يتمكن أحد من إنكارها، ويبطل عناد المعاندين فتخفض الكافرين في دركات النار، وترفع المؤمنين في درجات الجنة، هؤلاء في الجحيم وهؤلاء في النعيم الثاني: {إذَا وَقَعَتِ الواقعة} تزلزل الناس، فتخفض المرتفع، وترفع المنخفض، وعلى هذا فهي كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا} [الحجر: 74] في الإشارة إلى شدة الواقعة، لأن العذاب الذي جعل العالي سافلًا بالهدم، والسافل عاليًا حتى صارت الأرض المنخفضة كالجبال الراسية، والجبال الراسية كالأرض المنخفضة أشد وأبلغ، فصارت البروج العالية مع الأرض متساوية، والواقعة التي تقع ترفع المنخفضة فتجعل من الأرض أجزاء عالية ومن السماء أجزاء سافلة، ويدل عليه قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا} [الواقعة: 4، 5] فإنه إشارة إلى أن الأرض تتحرك بحركة مزعجة، والجبال تتفتت، فتصير الأرض المنخفضة كالجبال الراسية، والجبال الشامخة كالأرض السافلة، كما يفعل هبوب الريح في الأرض المرملة الثالث: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} يظهر وقوعها لكل أحد، وكيفية وقوعها، فلا يوجد لها كاذبة ولا متأول يظهر فقوله: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} معطوف على {كَاذِبَةٌ} نسقًا، فيكون كما يقول القائل: ليس لي في الأمر شك ولا خطأ، أي لا قدرة لأحد على رفع المنخفض ولا خفض المرتفع.
المسألة الثانية:
{إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} يحتمل أن تكون الواقعة صفة لمحذوف وهي القيامة أو الزلزلة على ما بينا، ويحتمل أن يكون المحذوف شيئًا غير معين، وتكون تاء التأنيث مشيرة إلى شدة الأمر الواقع وهوله، كما يقال: كانت الكائنة والمراد كان الأمر كائنًا ما كان، وقولنا: الأمر كائن لا يفيد إلا حدوث أمر ولو كان يسيرًا بالنسبة إلى قوله: كانت الكائنة، إذ في الكائنة وصف زائد على نفس كونه شيئًا، ولنبين هذا ببيان كون الهاء للمبالغة في قولهم: فلان راوية ونسابة، وهو أنهم إذا أرادوا أن يأتوا بالمبالغة في كونه راويًا كان لهم أن يأتوا بوصف بعد الخبر ويقولون: فلان راو جيد أو حسن أو فاضل، فعدلوا عن التطويل إلى الإيجاز مع زيادة فائدة، فقالوا: نأتي بحرف نيابة عن كلمة كما أتينا بهاء التأنيث حيث قلنا: ظالمة بدل قول القائل: ظالم أنثى، ولهذا لزمهم بيان الأنثى عند مالا يمكن بيانها بالهاء في قولهم شاة أنثى وكالكتابة في الجمع حيث قلنا: قالوا بدلًا عن قول القائل: قال وقال وقال، وقالا بدلًا عن قوله: قال وقال فكذلك في المبالغة أرادوا أن يأتوا بحرف يغني عن كلمة والحرف الدال على الزيادة ينبغي أن يكون في الآخر، لأن الزيادة بعد أصل الشيء، فوضعوا الهاء عند عدم كونها للتأنيث والتوحيد في اللفظ المفرد لا في الجمع للمبالغة إذا ثبت هذا فنقول: في كانت الكائنة ووقعت الواقعة حصل هذا معنى لا لفظًا، أما معنى فلأنهم قصدوا بقولهم: كانت الكائنة أن الكائن زائد على أصل ما يكون، وأما لفظًا فلأن الهاء لو كانت للمبالغة لما جاز إثبات ضمير المؤنث في الفعل، بل كان ينبغي أن يقولوا: كان الكائنة ووقع الواقعة، ولا يمكن ذلك لأنا نقول: المراد به المبالغة.